.... عندما حلَّ
الصّباحُ الباكر,
وفي الرابعةِ صباحاً, طرقَ الموتُ بابَ
حُجرة نومه.
من هُنـاك؟...
أنا مَلَكُ الموْت, جئتُ لأقبِضَ الرّوح!!
بدأ العَرَقُ
بالتّصَبُّبْ!...
واهتزّت
الأطراف...
وكأنّ
الحُمَّى قد قامتْ من مَرقدِها, وتسلّلتْ داخل شِريانٍ يوجِّهُهَا.
فارتعشَ
لها البَدنْ...
وجَفَّ
الرّيْق.
صرَخَ بزوجتِه
النّائمة: أرجوكِ, دثّريْنِي!
خبّئيني...
وأبعدي عنِّي أَرَقَ جُفوني!...
أبعديهِ عنِّي, أبعديهِ..
لا تدعيهِ يأخذُ روحي!... امنعيهِ!!.
أرجوكَ اذهب, أيا كابوسَ مَنامِـي!
ارحَلْ ولا تُشْعل جذوةَ آلامِـي!..
إليكَ عنِّي!..
دَعْ التجنِّي!
طرَقَ المَلَكُ الباب,
وطَرَقْ..
ولم
يُبَالِي!
يا صاحبي!.. دَعني آخُذُ الأمانةَ وأرِحْني!
فقد أخَّّرتنِي, وجعلتني أعصي مَنْ
بَرانِي!
لم آتِ بمحض إرادتي..
إنّها إرادةُ الله وقدره.. أفهمتَ الآنَ
أيا صاحِ؟...
[ أجهشَ بالبُكاء ].
أرجوكْ!..
سأكونُ
خادِمكَ المُطيْع..
سأهبكَ
المالَ والذَّهبَ الرَّفيْع.
أووووه!... كَفـااااكْ!..
كَفاكَ حُمْقاً بلا إدراكْ!..
كُلُّ ما في يديكَ فاني...
انهض الآن, وافتح الباب.
كلااا, أرجـوك!
امنحني
عُمْراً ثاني..
ارحمني!
لا,
دَعني.. تمهّل...
أمهلني
فلستُ كهلاً, لا زلتُ طِفلاً كما تَراني!..
مهلاً, أخبرني لمَ الخوْفُ أيُّها الجبانْ؟
أمِنَ الفِرار إلى ربِّ الجِنانْ؟!..
هيّا ابتسم, ومُتْ فخوراً
كُنْ سعيداً, فرحاً بالعودة إليه.
أوّااااه ثمّ
أوّااااه..
ليتَ موتي ما أتاني!
قد كنتُ مع السُّكارى
بالشِّعر نُباري...
بل
كنتُ البذيءَ صاحب اللفظِ والمعاني.
لا تسلني يا صاحبي
واأواااه!
أم كنتُ الغافل
النَّائي عن شرعٍ ربَّاني...
آهٍ هممتُ بِجمع أموالٍ وأبارِيْقَ
وأواني.
لكن
ماذا نالني؟
ماذا أتاني؟!....
رَمَضان جاءَ وآخَر
ذَهَبْ..
وتراني
غَيرَ مُكتِرثٍ بِصَومٍ ولا أدَبْ.
أوّاااااااه!...
وتسألني؟!
ويحك! لم تصحُ يوماً لِموتِ جاركَ القَريـبْ.
لم
تكترث, بل عِشْتَ الحياةَ بِلا رَقِيْـبْ!
....
صدقني,
ما عادَ يُجدي الآن حتّى النَّحِيْـب!
كَفى أرجوووك!
اصمت قليلاً.. دعني أكمِلُ يا أيُّها الشَّاكي.
أجبني, أكانَ المُؤمِنُ كالفاسِقِ يوماً؟
لا والله... محالٌ أن يستويان!
أتَذكُر حالكَ إذا ما هَمَّ المؤذِّنُ برفع الأذان؟!...
تراكَ استغشيت ثيابكَ, وجعَلت الأصابِعَ
في الآذان...
بُحْ يا فتى!..
أحاولتَ يوماً فتحَ صفحةِ القُرآن؟
هيّا أجبني.. تكلّم.. لِمَ الهَوَان؟!
ألم تلحظ انهماكَكَ في الشَّهوات؟
ونسيانَكَ إقامةَ الصَّلوات!
أين أنتَ من ذلك؟..
أين أين الطّاعات؟!!..
هيّا تكلَّم, بُحْ لو بكلمة!... دافِع عن نفسِكْ؟
ما لسكوتِكَ والحَيرَان؟!
بماذا أدافعُ يا
حسرتي؟!
يا ويلتي!
أرجوكَ ارحمني..
دَع انسيابَ عُمْري لو ثواني!
أواااااه... عَقَدْتَ لِساني!
أستغفر الله من مرامك..
لستُ بمحيٍ ولا مُميتٍ... إنما أنا رسول
من ربَّاني!..
لكن
صدِّقْني!!
ندمي قتلني..
امنَحني فُرْصة!
أُريد تَوْبة!
أَلم تفهم؟
"ولَيْست
التَّوبَةُ لِلَّذينَ يَعملونَ السَّيّئات حتَّى إِذا حَضَر أحدهُمُ الموتُ قالَ
إنِّي تُبْتُ الآن
ولا الَّذينَ يموتونَ وَهُمْ كُفَّار
أولئِكَ أعتدنا لهُمْ عَذاباً أليماo" (النّساء/18 )
أرجوك ربي, امنحني
ساعة... دقيقة... فقط ثواني!
"ولَنْ يُؤَخِّر
اللهُ نفساً إِذا جاءَ أجَلُها واللهُ خَبيرٌ بِما تعمَلونo" (المنافقون/11)
سآخذُ روحَكَ إلى حيثُ
أُمِرْتُ, أيُّها الجاني.
يا ويلتاه... ويحي!..
ماذا دَهاني؟!..
ربِّي أنْظِرني...
ربّي ارجِعون.. ربِّي ارجِعون...
"حتّى إِذا جاءَ
أحدهمُ الموتُ قالَ ربّي ارجِعُوْنo
لَعَلِّي أعْملُ صالحاً فيمَا تَرَكت
كَلَّا إنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِم بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ
يُبْعَثُونo" (المؤمنون/99, 100)
يارب ارزقنا حُسنَ
الختام, واغفر لنا وارحمنا يا رحمـن .