عن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء متفق عليه.
قوله: يا معشر الشباب فيه عناية الإسلام بهذه المرحلة؛ ذلك لأن الشباب أو مرحلة الشباب هي أخصب مراحل العمر، فيها يبني المرء شخصيته، ويشق طريقه؛ ولذا كثرت النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المرحلة العمرية، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله فقال: أو شاب نشأ في طاعة الله وكذا حديث: يأتيكم شباب من أقطار الأرض يتفقهون في دين الله فإذا رأيتموهم فاستوصوا بهم خيرًا وكذلك حديث مالك بن الحويرث الذي قد سبق: قدمنا ونحن شببة متقاربون وكيف حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- عليهم واعتنى بهم وراعى مشاعرهم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع وعدَّ منها "وعن شبابه فيما أبلاه".
وفي الحديث المبادرة بالزواج لتحصين الفروج، ويتأكد هذا لمن خشي على نفسه الفتنة وكان قادرًا على الباءة، القوة الجسدية والمالية، وفيه أيضًا بيان خطأ من زعم أن ترك الزواج أفضل من الزواج؛ لأن ترك الزواج يشغل، فلقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرًا ما يحث على الزواج، وكان أكثر هذه الأمة نساءً هو صلى الله عليه وسلم، بحكم ما خصه الله -جل وعلا- به، وحث على الزواج فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم .
وأما ما يحتج بهم بعضهم من كون بعض العلماء لم يتزوجوا فيحمل على أمور: إما لعدم قدرتهم، أو لعدم تفرغهم، أو لرأي رأوه، لكنه خلاف الرأي الصحيح، وفي الحديث أيضًا العناية بشأن الجوارح، أغض للبصر، وأحصن للفرج، العناية بشأن الجوارح، ولهذا جاءت النصوص الكريمة في القرآن الكريم بالعناية بالجوارح: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ اللسان، السمع: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ البصر: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ .
وقوله: ومن لم يستطع فعليه بالصوم، دليل أن الإنسان قد يرغب بالزواج لكن لا يستطيعه، يعجز، متطلبات الزواج الحياتية قد يعجز عنها، فجعل لك الشرع مخرجًا آخر، فعليه بالصوم فإنه له وجاء: حصانة، فإنه له وجاء، وكثير من الناس يستعيض بالصوم إذا عجز عن الزواج فتكسر شهوته، تكسر شهوته فيدرأ عنه شر كثير، وبعض الناس يفتح لنفسه بابًا من الحرام، فقد يكون قويا في شهوته ويكون عاجزًا عن الزواج، ومع هذا يلجأ إلى طرق محرمة، كالاستمناء أو كإشباع النظر في الصور، وهذا حرام لا يجوز؛ ولهذا استدل بعض العلماء بهذا الحديث، وبالآية في المعارج وفي المؤمنون: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ على تحريم الاستمناء.
احـفظ منيك ما استطعت فإنـه مـاء الحياة يصب في الأرحـام
وطلبة العلم أولى الناس بالزواج، لأن الزواج يهيئ لهم راحة نفسية وبدنية فيستطيعون أن يتعلموا وأن يعلموا، فإذا قصرت بهم النفقة فيلجئوا إلى الوسيلة الشرعية الأخرى وهي الصوم، وفيه أيضًا البعد عن كل ما يثير الشهوة، وبخاصة إذا علم الإنسان من نفسه الضعف، وبخاصة في هذا الزمن كثرت فيه إثارة الشهوات المسموعة والمقروءة والمرئية، وعودا على بدء طلبة العلم أولى الناس بهذا الأمر يعني بالزواج، وقد ذكر غير واحد من المختصين في الدراسات الاجتماعية، أن الإنسان المتزوج المستقر في حياته ينتج أكثر، وهذا يؤكده ما جاء في النصوص الشرعية من الحث على الزواج؛ لأن الله ركب في بني آدم شهوات، وجعل لهذه الشهوات أماكن، وجبلة الإنسان على هذه الشهوة، يؤجر إن وضعها في حلال، ويؤزر إن وضعها في حرام.