عمان وفي وقت ما قبيل الخمسينات
وربما الستينات كانت تتزين ببعض الرسوم الشعبية (لوحات ملونة عليها زجاج
ولاصق ورقي على الحواف) تباع عند محلات المرايا والزجاج والبراويز في شارع
الملك طلال.. وكان العديد من الناس يقتنون هذه اللوحات لتعليقها على جدران
البيوت الطينية من الداخل حيث تتعدى مواضيعها من رسم للبراق الى رسوم
الزير السالم وابو زيد الهلالي وعنتر بن شداد.. ثم مناظر البراري والغزلان
والحدائق والبيوت والازهار الجميلة.. كذلك بعض اللوحات الاخرى والتي يرسم
عليها كف الانسان ومكتوب بها مثلا: الله، محمد، يا حافظ، الحسود لا يسود،
وآيات قرآنية.. ولوحات رسم فيها مشاهد للكعبة والمسجد النبوي والمسجد
الاقصى ومن حولها الزخارف العربية والاسلامية.
في عمان اختفت بعض الرسوم واللوحات الورقية منذ عقود بعيدة.. ويقال ان بعض
هذه الرسوم الدينية ما زالت موجودة يتداولها عامة الناس في الأماكن
الشعبية والدينية في كل من بغداد ودمشق قرب المعالم الدينية هناك ومنها
لوحة تمثل البراق النبوي الشريف.
والبراق هي الدابة التي احضرها الملاك سيدنا جبريل للرسول محمد صلى الله
عليه وسلم حتى يركبها في عملية الاسراء والمعراج.. والبراق دابة لونها
ابيض وشكلها ما بين البغل والحمار.. في فخذي البراق جناحان يدفع بهما
جسمه.. ويضع (حافره) عند منتهى طرفه.. ركبه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى
أتى بيت المقدس من مكة فنزل عن البراق وربطه بالحلقة التي يربط بها
الأنبياء ((سور البراق) ثم دخل الرسول المسجد الأقصى وصلى فيه ركعتين.
ثم أتاه جبريل الذي رافقه في الاسراء بعد ذلك باناء من خمر واناء من لبن..
فاختار عليه الصلاة والسلام (اللبن)، فقال جبريل: اخترت الفطرة.. ثم انه
عرج به الى السماء الاولى فالثانية فالثالثة.. وهكذا حتى ذُهب به الى سدرة
المنتهى وأوحى الله اليه عندئذ ما أوحى.. وفيها فرضت الصلوات الخمس على
المسلمين وهي في اصلها خمسون صلاة في اليوم والليلة.
ويقول الشيخ العلامة الدكتور محمد سعيد البوطي في كتابه فقه السيرة
النبوية: انه لما كانت صبيحة اليوم التالي وحدّث رسول الله صلى الله عليه
وسلم الناس بما شاهد اخذ المشركون يجمع بعضهم بعضا ليتناقلوا هذا الخبر
الطريف ويضحكوا منه، وتحداه بعضهم ان يصف لهم بقايا بيت المقدس ما دام انه
قد ذهب اليه وصلى فيه والرسول حينما زاره لم يخطر في باله ان يجيل النظر
في اطرافه ويحفظ اشكاله وعدد سواريه فجلى له الله عز وجل صورته بين عينيه
واخذ يصفه لهم وصفا تفصيليا كما يسألون.. روى البخاري ومسلم عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم انه قال: لما كذبتني قريش قمت في الحجر، فجلى الله لي
بيت المقدس فطفقت اخبرهم عن آياته وأنا انظر اليه.
اما ابو بكر رضي الله عنه فقد حدثه بعض المشركين عما يقوله الرسول رجاء ان
يستعظمه فلا يصدقه، فقال: ''ان كان قال ذلك لقد صدق اني لأصدقه على ابعد
من ذلك''.
وفي صبيحة ليلة الاسراء جاء جبريل وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
كيفية الصلاة واوقاتها. وكان عليه السلام قبل مشروعية الصلاة يصلي ركعتين
صباحا ومثليهما مساء كما كان يفعل ابراهيم عليه السلام.
المعراج الى السماء وتبدأ رحلة الرسول السماوية والمعجزة العجيبة بقدرة
الله حيث يصحبه جبريل في اثناء هذه الرحلة العلوية المعراج والصعود الى
السماوات العليا حيث يفتح لهما الملائكة والرسل ابواب السماوات مرحبين
بالرسول صلى الله عليه وسلم: في السماء الدنيوية الاولى يتلقى الملائكة
الرسول الكريم ضاحكين مستبشرين يقولون له خيرا ويدعون له.. حتى لقيه ملاك
دعا له بالخير لكنه لم يضحك!! فسأل الرسول جبريل عن هذا الملاك الذي لا
يضحك؟! فقال له انه مالك النار.. وهناك رأى رجالا يعذبون بأكل النار وهم
أكلة اموال اليتامى وأكلة الربا.. ومن يأكلون اللحم الغث المنتن وبجانبهم
شهي الطعام وهم الزناة.. ونساء معلقات بأثدائهن وهن النساء ينجبن أبناء
الحرام.. وفي هذه السماء يرى سيدنا آدم ويدعو له.
وفي السماء الثانية يشاهد سيدنا عيسى وسيدنا يحيى فيرحبان به ويدعوان له بالخير.
وفي السماء الثالثة فاذا بسيدنا يوسف وقد اعطي شطر الحسن فيرحب ويدعو له بالخير.
وفي السماء الرابعة يشاهد سيدنا ادريس الذي رفعه الله مكانا عليا.
وفي السماء الخامسة يشاهد سيدنا هارون عليه السلام ويرحب به.
وفي السماء السادسة يشاهد سيدنا موسى عليه السلام ويدعو له.
وفي السماء السابعة تفتح ابوابها واذا بسيدنا ابراهيم مسندا ظهره الى
البيت المعمور.. واذا هو يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون اليه.
ثم يذهب به الى سدرة المنتهى فقال: فلما غشيها من امر الله ما غشى تغيرت..
فما من أحد من خلق الله يستطيع ان ينعتها من حسنها.. فأوحى الله اليّ ما
اوحى ففرض عليّ خمسين صلاة.. فنزل سيدنا محمد الى سيدنا موسى فقال له
الاخير ارجع الى ربك فاسأله التخفيف فان أمتك لا يطيقون ذلك.. فاني قد
بلوت بني اسرائيل وخبرتهم.. قال فرجعت الى ربي فقلت: يا رب خفف عن أمتي.
فحط عني خمسا.. وهكذا ظل الرسول يرجع الى الله ويعود لموسى الى ان صارت
الصلوات (خمس) فقط ولكل صلاة عشر حسنات وكأن الصلوات صارت بأجر وثواب (50)
صلاة.
كذلك فمن (همَّ) أي نوى بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة واحدة.. وان عملها
كتبت له عشر حسنات.. ومن همَّ بعمل سيئة فلم يعملها لم تكتب له شيئا.. وان
عملها كتب له سيئة واحدة فقط.
وكأن الحكمة الالهية تهيب بمسلمي هذا العصر ان لا يهنوا ولا يجبنوا ولا
يتخاذلوا أمام عدوان اليهود على ارض الاسراء والمعراج (القدس) حتى يطهروها
من رجسهم ويعيدوها الى اصحابها المؤمنين بالله.