- اتسعت مقاصد ودلالات كلمة رحمة في
القرآن الكريم، حتى انها تجاورت واضيفت وعطفت وتزاوجت مع كلمات عديدة، ذات
معان محددة، ولعل رحمة كما حملتها آيات عديدة من آيات الذكر الحكيم، كانت
من بين قليل الكلمات التي حملتها النصوص القرآنية، بدلالات تبعث في نفس
المؤمن تداعيات ذات آثار روحانية ايجابية، كانت دائماً تمثل ملاذاً وملجأ
يأوي اليه حين تدلهم الخطوب في الحياة الدنيا، داعيك عن مرجعية المآل في
الحياة الآخرة، حين ارتبطت نتائج الحياة الدنيا، بما ستكون عليه في الحياة
الآخرة ب رحمة الله تعالى.
وفي الأغلب الأعم ان لم نقل في الكل الشامل، تأتي الرحمة حين تتجاور مع أي
لفظة في النص القرآني، كي تفتح آفاقاً جديدة لما عنته هذه اللفظة، كي يتسق
هذا مع الصفة الاكيدة التي جعلها الله تعالى لرحمته رحمتي وسعت كل شيء من
هنا، فان قراءاتنا للنصوص التي اشتملت على لفظة رحمة مع ما قد يجاورها او
يأتي معها، لا بد وان تتصف بالاتساع الذي اراده الله تعالى لرحمته.
نقرأ النص التي جاءت به الآية 82 من سورة الاسراء في ضوء هذا المنهج:.
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين الا خساراً
.. الآية الكريمة تتحدث عن التنزيل، عن ما جاء به القرآن الكريم، وعليه
بينت الرسالة السماوية الاخيرة، وبين ثناياها جاءت الشريعة الاسلامية،
التي جاءت من المشكاة ذاتها التي انارت الايمان بوحدانية الله الخالق
البارئ منذ خلق الكون، وعلى امتداد مسيرته، وعبر الرسالات السماوية كلها
الى ان جاءت خاتمة الرسالات بالوحدانية ذاتها.
هنا يشير النص الى ان في التنزيل الذي بنى القرآن الكريم، المنقول عبر
الوحي، في التنزيل ما هو شفاء للمؤمنين وبالدلالات التي تحملها لفظة شفاء
سواء كانت هذه الدلالات ذات ابعاد معنوية ؟ وهذا الأشمل ؟ او مادية في
حدود ضيقة، ان الشفاء الذي ترتب على ما جاء به التنزيل كما دللت عليه
تأويلات احاطت بهذا النص منذ نزل به الوحي حتى الآن، تتمحور حول قضايا
اغلبها اشار الى ما يمكن ان تفعله آيات محددات من القرآن الكريم لمعالجة
اوضاع محدودة جداً قد تنتاب الانسان، في حين ان البعد الآخر للشفاء، هنا
حين يتجاور مع الرحمة، يفتح آفاقاً ارحب للتأويل تتطاول حتى تصل الى ما
يمكن فهمه على انه انقاذ للانسانية مما كان قد اصابها من امراض قتلت الوعي
السليم، واغتالت الحقيقة الثابتة، وبينت القيمة الحقيقية للانسان اكرم
الخلق.
ان الشفاء الذي يتكئ على الرحمة، او يتدثر بها، انما يأتي كاملاً دون
مضاعفات، ذلك انه يترتب على ترياق يجتث المرض ؟ الظلم الذي ابشعه ظلم
النفس والذي يترتب على الكفر ؟ يجتث هذا المرض من جذوره، ويطهر النفس من
كل شوائب هذا المرض، شوائب الكفر، والله اعلم...عبد الله حجازي